لندن -المملكة المتحدة البريطانية
شهد العالم خلال السنوات الأخيرة طفرة غير مسبوقة في ميدان علاج أمراض القلب، حيث باتت الأبحاث الدوائية والتقنيات الطبية الحديثة تفتح آفاقًا جديدة أمام الملايين من المرضى الذين يعانون من مشكلات مزمنة في القلب والأوعية الدموية. ووفق ما أعلنت عنه هيئات طبية عالمية وتقارير بحثية حديثة، فإن عام 2025 يُعد نقطة تحول مهمة، بعدما دخلت عدة أدوية وتقنيات مرحلة الاستخدام السريري أو قطعت شوطًا كبيرًا في التجارب النهائية.
ويُجمع الخبراء على أن هذه الاكتشافات لا تمثل مجرد أدوية إضافية، بل هي مسارات علاجية ثورية تستهدف جذور المرض، سواء من خلال التحكم في عوامل وراثية، أو عبر إعادة برمجة الخلايا الجينية، أو باستخدام الذكاء الاصطناعي في التشخيص المبكر.
فيما يلي أبرز المستجدات التي أعلن عنها خلال العام الجاري:
1. أدوية تستهدف عوامل وراثية خطيرة
• كشفت تقارير طبية عن نجاح عقار تجريبي جديد يُسمى Lepodisiran في خفض مستويات بروتين وراثي خطير يُعرف باسم Lipoprotein(a) بنسبة وصلت إلى 94% مقارنة بالدواء الوهمي.
• أهمية هذا التطور تكمن في أن ارتفاع هذا البروتين يُعد من أقوى العوامل التي تزيد خطر الإصابة بتصلب الشرايين والأزمات القلبية، وهو غالبًا موروث جيني يصعب السيطرة عليه عبر الأدوية التقليدية.
• شركات الأدوية العالمية تسابق الزمن لإدخال هذا العقار إلى الاستخدام الرسمي خلال السنوات القليلة المقبلة، لما يحمله من آمال لقطاع واسع من المرضى.
2. أدوية جديدة لعلاج ضغط الدم المقاوم
• أظهرت نتائج تجربة المرحلة الثالثة لعقار Baxdrostat أنه قادر على خفض ضغط الدم الانقباضي بمعدل 9 إلى 10 ملم زئبق لدى مرضى يعانون من ارتفاع مزمن لم يستجيب للأدوية التقليدية.
• حوالي 40% من المرضى الذين خضعوا للتجربة تمكنوا من الوصول إلى مستويات ضغط طبيعية، وهو ما دفع خبراء الصحة إلى وصفه بأنه “تغيير قواعد اللعبة” في مواجهة مرض ارتفاع الضغط.
• ارتفاع ضغط الدم يُعد من أهم مسببات أمراض القلب، وبالتالي فإن هذا الدواء يُنتظر أن ينعكس إيجابًا على خفض معدلات الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية.
3. الذكاء الاصطناعي في التشخيص المبكر
• أعلن باحثون في لندن عن تطوير سماعة ذكية مدعومة بالذكاء الاصطناعي قادرة على اكتشاف علامات مبكرة لفشل القلب واضطرابات النبض خلال 15 ثانية فقط.
• التقنية الجديدة تجمع بين سماعة الطبيب التقليدية وتخطيط كهربائي للقلب، إلى جانب خوارزميات تحليل متقدمة.
• مثل هذه الأدوات من شأنها أن تُحدث نقلة في الطب الوقائي، إذ تتيح التدخل المبكر قبل تفاقم الحالة ووصولها إلى مرحلة الخطر.
4. علاجات مضادة للالتهابات
• من أبرز المستجدات أيضًا عقار Ziltivekimab، وهو جسم مضاد يستهدف مسار الالتهاب المعروف بـ IL-6.
• الالتهابات المزمنة تُعتبر من العوامل الخفية التي تسرّع تدهور أمراض القلب، ويأمل الأطباء أن يساهم هذا الدواء في تقليل المضاعفات خاصة لدى مرضى الفشل الكلوي أو المصابين بفقر الدم الناتج عن الالتهاب.
5. تقنيات الجينات وتعديل التعبير الوراثي
• تطور الأبحاث في مجال CRISPR سمح بفتح باب تعديل الجينات المسؤولة عن ارتفاع الكوليسترول الضار (مثل جين PCSK9)، ما يمنح فرصة لعلاج دائم لبعض الحالات المستعصية.
• كما يجري اختبار علاجات قائمة على تقنية RNA مثل patisiran و vutrisiran، والمصممة لوقف إنتاج بروتينات ضارة تتراكم في القلب وتسبب أمراضًا خطيرة مثل الأميليودوسيس.
6. جراحات وقسطرة أقل اجتياحًا
• أصبح استبدال صمام الأورطي عبر القسطرة (TAVR) خيارًا متاحًا بشكل أكبر، خاصة للمرضى غير القادرين على تحمل جراحة القلب المفتوح.
• كذلك ظهرت تقنيات جديدة لإصلاح الصمام الميترالي باستخدام ما يُعرف بالـ Mitral Clip، وهي وسيلة تُجرى عبر القسطرة دون الحاجة لشق صدري واسع، ما يقلل مدة التعافي ويخفض المخاطر الجراحية.
7. علاجات ترميمية باستخدام الخلايا والأنسجة
• طورت بعض المراكز البحثية نماذج تجريبية لما يُسمى اللصاقات القلبية، وهي رقع حيوية تُزرع فوق مناطق متضررة من عضلة القلب بعد النوبات القلبية.
• هذه الرقع، المصنوعة غالبًا من خلايا جذعية، تهدف إلى تجديد الأنسجة وتحسين قدرة القلب على ضخ الدم بكفاءة.
الخلاصة
تؤكد هذه التطورات أن ميدان طب القلب يدخل مرحلة جديدة تعتمد على التدخل المبكر، التحكم في العوامل الجينية، والاستفادة من الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحيوية. ورغم أن بعض هذه العلاجات ما زال في طور التجريب، إلا أن الاتجاه العام ينبئ بتحولات جذرية قد تغيّر مستقبل الرعاية الصحية لمرضى القلب في العالم.
وبينما تظل الإجراءات الوقائية التقليدية — مثل الغذاء المتوازن، النشاط البدني المنتظم، والإقلاع عن التدخين — حجر الزاوية في الحماية من أمراض القلب، فإن الأدوية والتقنيات الحديثة تفتح أفقًا جديدًا نحو حياة أطول وأكثر صحة لملايين البشر.