-
نشر بتاريخ: 25 كانون2/يناير 2021
في ١٨ ديسمبر عام ١٨٣٢ م ، وصلت قوة من طلائع الجيش العثماني بقيادة رؤوف باشا إلى شمال قونية ، فناوشهم إبراهيم باشا ليتحقق من مدى قوتهم أو ضعفهم وتحقق
له مدى ضعفهم ، وعندما قرر مهاجمتهم ودحرهم ، أثَر رؤوف باشا عدم الدخول في معركة خاسرة ، فقام سريعًا بالإنسحاب والعودة إلى صفوف قوات الجيش العثماني الكبير بقيادة الصدر الأعظم رشيد باشا .
مضى يوم ١٨ ديسمبر بدون قتال ، وفي يوم ١٩ ديسمبر حدثت بعض المناوشات بين الجيشين المصري العثماني ، حيث تمكنت القوات المصرية من أسر عدد لا بأس به من القوات العثمانية ، كما غنموا بعض المدافع .
في صبيحة يوم ٢٠ ديسمبر ١٨٣٢م ، تقدمت جيوش رشيد باشا إلى قونية وأخذ كل من القائدين يرتب مواقع جنوده .
في يوم ٢١ ديسمبر ١٨٣٢م ، الموافق ٢٧ رجب ١٢٤٨ هجرية ، وبالرغم من شدة البرودة ، فلقد كان الضباب يُخيم على ميدان القتال من الصباح ، فحاول كل قائد إستكشاف مواقع خصمه ، ولكن إبراهيم باشا تميز على رشيد باشا بأنه قام بدراسة الجبهة جيداً ، وقام بتدريب جنوده على المناورات فيها .
تواجد الجيش المصرى شمال قونية وعلى يمينه في الشمال الشرقي مستنقعات مياه ، وأيضا بالقرب منه مدينة سيلة وأمامه الجبال وعلى سفحها كان يرابض الجيش العثماني .
كانت المسافة بين الجيشين حوالي ٣٠٠٠ متر ، وعندما إنقشع الضباب بعض الشىء ، رصد إبراهيم باشا مواقع قوات الجيش العثماني وتمركزها ، فوضع خطة هجوم محكمة ، وقبل أن يبدأ إبراهيم باشا بالهجوم تقدمت القوات العثمانية حتى وصلت لموقع يبتعد ٦٠٠متر عن القوات المصرية وهو المدى المؤثر للمدافع ، وبدأت المدافع التركية تطلق القذائف على القوات المصرية ، فتقدم الصف الثاني من القوات المصرية ، حتى اقترب من الصف الأول تفاديًا لتأثير المدفعية العثمانية ، وإتجه إبراهيم باشا إلى بئر نمرة على يمين الصف الثاني من الجيش المصري ، حتى يتمكن من كشف مواقع العثمانيين ، وكان يصحبه من أركان الحرب ، مختار بك و كاني بك وأحمد أفندي ومعه قوة مكونة من ١٥٠٠ من البدو ، وتمكن إبراهيم باشا من تحديد نقاط القوة و الضعف في قوات الجيش العثماني ، وأصدر تعليماته للتحرك وتولى بنفسه القيادة ، فإجتازت القوات المصرية البئر بقليل ثم توجهت نحو الشمال ، وهاجمت القوات العثمانية بشدة وصبت المدفعية المصرية نيرانها وقنابلها عليهم ، فإنسحب العثمانيون بعشوائية تجاه الشمال نظرا لشدة الهجوم .
واصلت القوات المصرية تقدمها وتوسطت ميدان المعركة وواجهت الصف الثالث من مشاة القوات العثمانية ، ودارت معارك طاحنة أظهرت فيها القوات المصرية شجاعة وبسالة فائقة ، وتمكنوا من إلحاق خسائر فادحة في صفوف القوات العثمانية ، وأدرك الجنود العثمانيون أنهم هالكون لا محالة ، فإستسلم الكثيرون منهم حتى ينجوا بأعمارهم ، وقاموا بتسليم أسلحتهم للجيش المصري ، ووقع رشيد باشا في الأسر وتم تسليمه إلى إبراهيم باشا .
واصلت القوات المصرية تقدمها وهاجمت الصف الرابع من مشاة العثمانيين ، وألحقت به هزيمة فادحة .
إنتهت المعركة بإنتصار ساحق للمصريين على الجيش العثماني ، ولم تزد الخسارة في الجانب المصري عن ٢٦٢ قتيلاً و٥٣٠ جريحاً ، أما العثمانيون فلقد أُسِر قائدهم رشيد باشا ، ومعه ٦٠٠٠ اخرين ومن بينهم عدد كبير من الضباط والقادة وقُتِل ٣٠٠٠ رجل ، وغَنِم المصريون نحو ٤٦ مدفعًا وعددًا كبيرًا من البنادق .
كانت معركة قونية نصرًا مبينًا للجيش المصري ، وصفحة من صفحات الفخار في تاريخ مصر الحربي ، وكانت من المعارك الفاصلة في حروب مصر لأنها فتحت أمام الجيش المصري الطريق إلى الأستانة .
بذلك الإنتصار أصبح الطريق مُمَهدًا أمام إبراهيم باشا إلى الأستانة ، حتى خُيّل للجميع في ذلك الوقت أن نهاية السلطنة العثمانية أصبحت قريبة .
أرسل إبراهيم باشا إلى والده محمد علي باشا يخبره أنباء الإنتصارات التي حققها على العثمانيين وطلب الإذن بمواصلة طريقه إلى عاصمة السلطنة العثمانية ، ولكن محمد علي باشا أرسل إليه برسالة يأمره بالبقاء في موقعه ولا يتقدم إلى الأستانة إلا بأمر منه .
كانت روسيا مهتمة بالصراع الذي نشأ بين محمد علي باشا والدولة العثمانية ، حيث كانت تترقب الفرصة حتى تحقق أمالها وطموحاتها التاريخية بالوصول إلى المياه الدافئة عبر المضائق العثمانية ، وبخاصة في ظل تقاعس بريطانيا وفرنسا عن تقديم المساعدات اللازمة للدولة العثمانية ضد محمد علي ، الأمر الذي جعل السلطان العثماني محمود الثاني ( وهو تحت ضغط رهيب بسبب الإنتصارات التي حققها الجيش المصري تحت قيادة إبراهيم باشا ) يطلب مساعدة روسيا للحفاظ على عرشه ، بالرغم من أن روسيا كانت منذ بضع سنوات هي المحرك الأساسي والداعم الرئيسي للثورة في اليونان ، والتي أدت إلى إقتطاع بلاد اليونان من أراضي السلطنة العثمانية ، ولكن السلطان العثماني لا يأبه ولا يهتم إلا ببقائه جالسًا على كرسي السلطنة .
لم يتوانى قيصر روسيا عن إنتهاز تلك الفرصة ، فأرسل أسطولاً بحريًا إلى الأستانة للدفاع عنها ، ولم تكد بريطانيا وفرنسا تصلهما أنباء وجود السفن الروسية في مياه الأستانة حتى هالهما الأمر ، وشعرتا بالخطر الروسي ، وخشيتا أن تستغل روسيا تداعي الدولة العثمانية لتقوّي مركزها في الممرات البحرية ، فسارعتا إلى عرض مساعدتهما على السلطان العثماني لمنع توغل الجيش المصري في أراضي السلطنة .
عندئذ نشط ممثلو بريطانيا وفرنسا في التوسط بين السلطان ومحمد علي باشا ، واستغلت فرنسا علاقاتها الوديّة مع محمد علي باشا ، لإقناعه بقبول تسوية سلمية لخلافه مع السلطان ، في مقابل أن يكتفي من فتوحاته بسناجق صيدا وطرابلس والقدس ونابلس .
رفض محمد علي باشا العرض الفرنسي ، وأصرّ على ضم كامل بلاد الشام وولاية أضنة إلى حكمه ، وجعل جبال طوروس هي الحد الفاصل بين الدولة العثمانية وبين دولته .
بذلت فرنسا جهودًا مُضنية للتوفيق بين مصر والدولة العثمانية ، وبعد جولات متعددة من المفاوضات توصلت فرنسا إلى إقناع الطرفين بتوقيع اتفاقية كوتاهيه ، في ٤ مايو ١٨٣٣م ، الموافق ١٤ ذي الحجة ١٢٤٨ هجرية ، حيث تنازل الباب العالي بموجبها عن كامل بلاد الشام ، وأقرّ لمحمد علي باشا بولاية مصر وكريت وكامل بلاد الشام ، بما يشمل لبنان وفلسطين وأضنة ، وبولاية ابنه إبراهيم باشا على جدّة .
وهكذا غادر إبراهيم باشا الأناضول ، وإنتهت المرحلة الأولى من حروب محمد علي باشا في بلاد الشام
الأكثر مشاهدة
Who's Online
312 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع
الصحة
الدائرة الأخيرة
فيديو كاسل جورنال
الدائرة الأخيرة
الدائرة الأخيرة مع الدكتور عاصم الليثى
الدائرة الأخيرة مع اللواء نبيل أبو النجا
كلمة د/عبير المعداوى فى عيد الشرطة