من المؤكد أن مشكلتنا في اليمن على وجه الخصوص، وفي الوطن العربي على وجه العموم، تتركز الى حد كبير بعدم قدرتنا على التعاطي مع السياسية كمفهوم مدني وكفكرة ثقافة ومعرفية

عقلية مناط بها إحتواء مشاكل المجتمع وتناقضاته وحتى إختلافاته التى تظل حتمية الورود ، طالما تحول وجود الفرد إلى جماعة، فمصدرية السياسية تتعلق بالإجتماع البشري، والإختلاف بين مكونات هذا الأخير تظل سنة الله في خلقه .

ليس المقصود فيما سبق أننا لم نمارس الفعل السياسي من موقع السلطة أو المعارضة ، بل المقصود أننا لم نمارس هذا الفعل بشكل واعي لفكرة السياسية ولمفهومها بكونها فلسفة عقلية واقعية واعتمالات مدنية قادرة على إنتاج الحلول للمشكلة الاجتماعية بما في ذلك صراع المكونات الاجتماعية والسياسية على السلطة والحكم في أي مجتمع، بمعنى آخر أننا منذ السقيفة = { الاجتماع السياسي الأول في تاريخ الدولة العربية الإسلامية } وحتى اليوم نمارس الفعل السياسي بدون فلسفة سياسية أو بدون وعي بالسياسة وبمألآتها وأحكامها ، لهذا السبب لم تتحول السياسة في تجربتنا التاريخية الممتدة أربعه عشرة قرن ونصف الى علم سياسي ومعرفة سياسية وثقافة سياسية وحتى إلى أدوات ناجعة في معركة التغيير السياسي والاجتماعي، بل لم يتم التعاطي معها كفكرة مستقله بذاتها .

فالسياسة في كل أحوالنا وفي كل اقطارنا إما أن تمارس من وراء حجاب شرعي و تتخذ من الخطاب الديني محرم شرعي يرافق حضورها المتخفي والمؤطر دائما بما هو متعالي ومقدس، أو أنها تتحرر من ماهو متعالي ومقدس ولكنها تمارس خارج سياقها المدني وخارج قنواتها المشروعة، بمعنى آخر تمارس بفكر استبدادي يقوم بدرجه أساسية على خنق السياسية لذلك لا غرابة أن يقول المفكر محمد جابر الانصاري ( كل شي في حياتنا العربية مسيس إلا السياسية ) وهو إلى حد كبير محق في ذلك فالسياسة هي الشيئ الوحيد الذي لم يتم تسييسها وتحويلها إلى أدوات ناجعه في معترك التغيير .

من المفارقة العجيبة التي تتميز بها تجربتنا التاريخية أن السؤال السياسي في تاريخنا العربي والإسلامي نجح مبكراً في تأسيس فرق دينية وعقائدية ومذاهب وحتى أحزاب دينية تتقاتل حتى اليوم من أجل السلطة والحكم كما نشاهدها في عموم الوطن العربي ، لكنه مع ذلك لم ينجح حتى اليوم في تأسيس ثقافة سياسية مدنية ، ولا حتى مجال سياسي عام تتموضع فيه السياسية بشكل طبيعي ، كما أننا في تجربتنا التاريخية نجحنا في إنتاج حضارة اتسعت الى خارج حدود الجغرافية العربية لكننا في نفس الوقت فشلنا في إنتاج نظام سياسي وفي تأسيس دولة قادرة على هظم هذا الإتساع الحضاري ، بل إننا في قمة عطائنا الحضاري كنا نتصدع من الداخل سياسياً بدرجة رئيسية وبشكل متسارع، ما يعني في النتيجة أن الجسم الحضاري الكبير، كان في قمة عطائه الحضاري يدار برأس سياسي بمنتهى الصغر ، على حد وصف محمد جابر الانصاري، الأمر الذي أدى إلى سقوط هذا الجسم الحضاري وانكماشه لأن شرايين السياسية في دماغة كانت مغلقه بأحكام من قبل الحاكم .

ما يجب أن ندركه جمعياً أن الفعل السياسي الواعي للفكرة السياسية وللمفهوم السياسي المدني بعد صراعه الطويل من أجل تحرير السياسة من هيمنة الدين والسلطان نجح في حل مشكة المجتمع الأوروبي ، فتم تأسيس الدولة التى أتت في الأساس كحل جذري لمشكلة السلطة التي اتخذت يومها أشكال ومسميات عديده.... لاسيما بعد أن ذاق المجتمع الأوروبي ذرعاً بمغامرات الحكام وسلطانهم المطلق ، كما نجح هذا الفعل السياسي في خطوة ثانية في تأسيس نظام سياسي ديمقراطي تعددي أتى في الأساس كحل لمشكلة الاحتقان السياسي على المستوى الأفقي ، خصوصاً بعد أن شهد المجتمع نشوء مكونات وأحزاب سياسية تملك مشروعات سياسية وتنموية وتفكر في الوصول إلى رأس السلطة ، فأصبح الوصول إلى كرسي السلطة بعد هذه التحولات يتم عن طريق عد الرؤوس بدلاً من قطعها كما قال على خليفه الكوري في معرض حديثه عن حقيقة الديمقراطية .

نعم بهذا التحول المدني تم تأسيس المجال السياسي العام الغير محتكر ، بل القادر في نفس الوقت على إستيعاب حركة المجتمع واختلافاته التي أصبحت تشكل اليوم حالة من التدافع السياسي السلمي بين الأنا والآخر، لكن هذا النجاح لم يكن ليحدث لو أن المجتمع الأوروبي في صيرورته الثورية فشل في تحرير السياسة كفكرة مدنية من هيمنة الدين والسلطان أو فشل في التعاطي معها على أساس أنها قيم وافكار مدنية تتعلق بالإجتماع البشري الذي يمثل في نفس الوقت مصدراً وحيد لها بغض النظر عن معتقداته الدينية .

بيت القصيد أننا اليوم في اليمن وفي الوطن العربي بشكل عام مازلنا نثور على واقعنا الممانع ونخوض معركة الدولة والديمقراطية بشكل منفصل تماماً عن معركة تأسيس السياسة، وآية ذلك أننا نحشد في معركتنا الثورية مكونات وحتى قيادات تمارس الفعل السياسي بشكل يعيق حضور السياسة أو حتى يؤسس لثقافة سياسية مدنية مستقلة بذاتها عن هيمنة الدين والسلطان !!!

فهمي محمد عبدالرحمن

الأكثر مشاهدة

Who's Online

125 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

الصحة

الدائرة الأخيرة

فيديو كاسل جورنال

الدائرة الأخيرة  

الدائرة الأخيرة مع الدكتور عاصم الليثى

 الدائرة الأخيرة مع اللواء نبيل أبو النجا

 كلمة د/عبير المعداوى فى عيد الشرطة

عنوان الجريدة

  • 104-ش6-المجاورة الأولى-الحى الخامس-6أكتوبر
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 01004734646

إصدارات مجموعة كاسل