لبنان والخصوصية: لماذا تبقى “دولة المسيحية” في الشرق الأوسط رغم التغير الديموغرافي.. ومصير السلام بين الميثاق والانهيار؟
لندن، المملكة المتحدة – 6 ديسمبر 2025
لماذا تبقى لبنان “دولة المسيحية” في الشرق الأوسط رغم التغير الديموغرافي ومصير السلام
لطالما عُرف لبنان، لقرون طويلة، بأنه “دولة المسيحيين” في الشرق الأوسط، رغم حقيقة أن التعداد السكاني الحالي يشير إلى أن المواطنين المسيحيين (معظمهم من الموارنة) يمثلون أقل من ربع إجمالي سكان الدولة، مقارنة بالأغلبية المسلمة (السنة والشيعة).
إن هذا اللقب لا يستند إلى أرقام ديموغرافية حديثة بقدر ما هو متجذر في أسس تاريخية، وبنية سياسية فريدة، وحماية دولية كانت سبباً في نشوء الدولة اللبنانية الحديثة.
فهم لبنان كـ “دولة المسيحية” يتطلب الغوص في ثلاثية الميثاق، والتاريخ، والجغرافيا.
تاريخياً، ارتبط لبنان الحديث، وتحديداً جبل لبنان، ارتباطاً وثيقاً بالطائفة المارونية الكاثوليكية، التي حافظت على استقلال ذاتي وثقافة خاصة تحت حكم المتصرفية العثمانية.
وقد اكتسبت هذه الطائفة الحماية الدولية من فرنسا منذ القرن السابع عشر، والتي عززت مفهوم لبنان كـ “الوطن القومي للموارنة”.
وعندما أُعلن قيام دولة لبنان الكبير عام 1920، كان المسيحيون هم الفئة السكانية الأكبر والأكثر تنظيماً سياسياً.
وقد عزز هذا الوضع من خلال الميثاق الوطني لعام 1943، وهو اتفاق شفهي غير مكتوب قسّم السلطة على أسس طائفية (Confessionalism):
يُفترض أن يبقى رئيس الجمهورية دائماً مسيحياً مارونياً، ورئيس الوزراء سنياً، ورئيس البرلمان شيعياً. هذا التقسيم ضمن للمسيحيين السيطرة على أعلى منصب في الدولة وقيادة الجيش، مما رسخ سياسياً لقب “دولة المسيحية” الذي تجاوز الواقع الديموغرافي المتغير.
تغيرت الأرقام بشكل دراماتيكي بمرور الوقت، حيث ارتفعت نسبة السكان المسلمين (الشيعة والسنة) بشكل مضطرد، ما أدى إلى تزايد الشعور بالغبن لدى الفئات التي أصبحت تمثل الأغلبية.
كان هذا التباين بين الواقع الديموغرافي والبنية السياسية المتحجرة هو الفتيل الذي أشعل الحرب الأهلية (1975-1990).
وقد حاولت اتفاقية الطائف لعام 1989 إعادة التوازن، حيث أبقت على رئيس الجمهورية مارونياً، لكنها قلصت صلاحياته لمصلحة رئيس الوزراء السني، وقسمت مقاعد البرلمان بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين (50% لكل منهما) بدلاً من نسبة 6 إلى 5 لصالح المسيحيين التي كانت سائدة سابقاً.
مصير السلام في لبنان يتأرجح بين عاملين متناقضين:
الأول هو هشاشة السلام الذي فرضته اتفاقية الطائف، والذي يعتمد على التوافق الطائفي الهش والولاءات الخارجية، بدلاً من تأسيس عقد اجتماعي موحد.
والثاني هو الإدراك المشترك بين جميع الطوائف بأن الحرب الأهلية الجديدة تعني الانهيار التام للكيان اللبناني، وهو ما يفرض نوعاً من “الردع الداخلي”.
يبقى السلام في لبنان رهناً بالقدرة على تحويل الدولة من نظام المحاصصة الطائفية إلى دولة مدنية حديثة، حيث يتساوى المواطنون بغض النظر عن انتمائهم الديني. طالما بقيت السلطة مقسمة على أسس طائفية ومربوطة بأجندات إقليمية (مثل الدور الإيراني عبر حزب الله)، سيبقى مصير السلام معلقاً على خيط رفيع، يحتاج إلى دعم دولي حقيقي للخروج من دائرة الميثاق المنتهي والمأزوم إلى فضاء الدولة الواحدة.
النقاط البارزة في التقرير:
اللقب التاريخي:
يُعزى لقب “دولة المسيحية” إلى الحماية الفرنسية التاريخية التي مُنحت للطائفة المارونية، مما أدى إلى تأسيس لبنان الكبير.
البنية السياسية:
رسخ الميثاق الوطني لعام 1943 سيطرة المسيحيين على رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش، متجاوزاً الواقع الديموغرافي المتغير.
التغيير الديموغرافي:
تراجع النسبة العددية للمسيحيين إلى أقل من الربع مقارنة بالأغلبية المسلمة (السنة والشيعة)، مما كان سبباً رئيسياً لاندلاع الحرب الأهلية.
اتفاق الطائف:
أبقى الاتفاق على البنية الطائفية للحكم، مع تقليص صلاحيات الرئيس الماروني وتقسيم مقاعد البرلمان بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين (50/50).
مصير السلام:
يعتمد السلام الحالي على التوافق الهش بين القوى الطائفية والردع الداخلي، ويبقى رهناً بتحقيق تحول نحو دولة مدنية تلغي المحاصصة الطائفية.
