(قراءة جديدة للتاريخ) بقلم المؤرخ |بسام الشماع
الملكة الأشهر في تاريخ عصر الأسرات المصرية القديمة:”نفرت إيتي” و معنى إسمها “جميلة اتت”.
و لكنها و على ما يبدو لم تكن فقط تلك السيدة رائعة الجمال(و موضوع جمالها الشكلى الفائق هذا أيضا يتم دحضه فى هذه الدراسة) بل ربما كانت قد حكمت و تبوأت عرش مصر خلال أو مع أو مشاركة أو بعد موت الملك ” أخناتون” زوجها المعروف بحكمه للبلاد لمدة ١٧ عام إبان الأسرة ١٨ منذ أكثر من ٣ آلاف عام .
الاسباب التي دعت لقول هذا هو منظر مصري قديم منحوت على حجر جيري يطلق عليه فى عالم علماء المصريات “تلاتات” (حجم التلاتات في العموم كان ٥٢×٢٤×٢٦ سم) في متحف بوسطن بالولايات المتحدة الأميريكية،ظهرت فيه الملكة “نفرت إيتي” و هي تهم بضرب أسيرة أجنبية تمسك بها من خصلات شعرها بيدها اليسرى بينما هي رافعة يدها اليمنى التى تحمل سيف منحنى على هيئة منجل بينما جسدها منحنى قليلا جدا للأمام و كأنها في حالة حركة لتستجمع قواها في ضرب رأس الأسيرة الأجنبية التى تستسلم للملكة تمام و لا يبدو أي مظهر من مصادر المقاومة.
هذا المنظر القمعي للعدو و استخدام الملكة للمقمعة كاداة لضرب الأسيرة و المنظر باكملة كان في عصر الاسرات حصريا للملوك الذكور فقط. و لا أتذكر أني رأيت ملكة تهم بهذا العمل بمقمعة أبدا حتى الآن.
و من ضمن شروحات العلماء ومنظر المقمعة عامة و أسبابه انه كان يثبت هزيمة أعداء مصر من قبل الحاكم الملك بشكل فعلي و حقيقي و توثيقى و يؤكد قوة الملك العضلية و نشاطة العسكري و عضلاته المفتوله و هو الذي من المفترض أيضا أن يرهب اعداءه و يخوفهم .الملك هزم الأعداء و ها هو يوثق الحدث على جدران المعابد.أو ربما يكون منظر رمزى لهزيمة الملك لقوى الشر الكونية و اعداء المعبود فيتم نحت هذا المنظر ليكون له فعل السحر لحماية البلاد
و المعبد و المصريين و الملك.
او ربما لحماية المعبد نفسه.أو ربما لكل هذه الاسباب متجمعة.إن هذا المنظر باحجامه الضخمة و الذي استمر استعماله و استنساخة حتى عصر الأباطرة الرومان مثل منظر الإمبراطور الروماني “تراجان” بمعبد إسنا بالصعيد المصري،كان فقط للملوك الذكور الحكام لمصر حسب ما توفر لي من مشاهدات على مدار الأربعين عام الماضيين.
إذن،هذا المنظر يثبت أن “نفرت ايتي” ربما تكون قد حكمت كملك مثل الملكة “حاتشبسوت” و “تا وسرت” و “سبك نفرو” أو على الاقل كان لها نشاط سياسي بارز يساوى في أهميته دور الملك “أخناتون”.المنظر المنحوت على حجرة التلاتات يبين “نفرت ايتى” و هى ترتدى التاج المميز لها و المعروفه به حيث ترتدي مثله في التمثال المشهور لها و الموجود الان للاسف في برلين بالمانيا.و هي تهم بضرب الأسيرة داخل كشك أو كابينة أو مقصورة على متن سفينة ذات دفتين و مجاديف يجدف بها العمال البحارة( انظر الصورة).
اعلى المقصورة يوجد صف تترأس فيه تعاليم الكوبرا و هى ترتدي اقراص الشمس.في منتصف هذا الصف الذي يتوج المقصورة او الكشك يوجد قرص الشمس المستنير و الذى يبعث بأشعته إلى أسفل.هذا المنظر موجود أعلى منظر الملكة.تم الكشف عن هذه النباتات لي منطقة الاشمونين و اصلها من منطقة تل العمارنة عاصمة الملك أخناتون بمحافظة المنيا الآن.و من المعروف أن أخناتون كان قد نقل العاصمة ليشيد عاصمتة الجديدة و ليبعد عن كهنة آمون( إمن بالهيروغليفى ) عندما حول الديانة و اسمه إلى أسماء لها علاقة ب “إتن”(آتون) و ليس “إمن” معبود طيبة (الأقصر) التي تركها لوجود كهنة “إمن” بها .
٢- منظر على حجر تلاتات آخر بمعبد الاقصر يبين “نفرت إيتي” و هي تضرب بنفس الطريقة بمقمعة و منظرين لها و هي تهاجم و تدهس الأعداء و لكنها هنا كانت هي على هيئة أبو الهول بجسد أسد.
٣- منظر آخر لها مشابه في منطقة أبيدوس.
الملكة التي ذات صيتها لانها رائعة الجمال اتضح لي انها كانت حاكمة و ناشطة سياسية و شخصية عسكرية و ذات صفات قاسية و قوية و قد كانت على الاقل مساوية لزوجها في الأهمية و ربما حكمت بالمشاركة معه و شاركت بقرارات سياسية.
دليل آخر على أن “نفرت إيتي” كان لها علاقة بالتدريب على الأسلحة العسكرية و لها قوة و طاقة و وضع مؤثر في الحياة السياسية و العسكرية و البلاط الملكى أكثر من الذى يعتقده البعض أن هناك بعض المناظر لها بمقابر بتل العمارنة بالمنيا و هى تقود العجلة الحربية وحدها و بدون قائد للمركبة فقد كانت هي قائدة المركبة و هو ليس بالأمر الهين او البسيط أو السهل ! مثل تلك المناظر الموجودة في مقبرة “ميري رع” الأول. و ربما تكون هذه المناظر لها و هي تقود العجلة الحربية غير مسبوقة.(حتى الآن…لم يتم لي مشاهدة ملكة قبلها تقود عجلة حربية).
و في منظر منحوت متميز على لوحة حجرية تم اكتشافها في منزل خاص بتل العمارنة تظهر العائلة المكونة من الأب الزوج الملك “أخناتون” و هو يمسك بابنته الطفلة الصغيرة السن و يهم بتقبيلها،و الزوجة الملكة ” نفرت إيتي” و التي تجلس على أرجلها طفلة و هي إبنة لهما و أخرى تداعب قرط الملكة الرائع.منظر عائلى متميز و طبعا المنظر يعلوه كالعادة قرص الشمس “إتن”(آتون) ذو الأشعة الممدودة.
و لكن يوجد شئ لفت انتباهي يثبت تفرد و تميز الملكة هنا بشئ لا يوجد عند الملك زوجها…و هو انك اذا نظرت إلى المقعد الذي تجلس عليه الملكة سوف تجده مزين بمنظر يطلق عليه بالهيروغليفية “سما تاوى” أي توحيد الارضين.و هو منظر نجده على كراسي عروش ملوك مثل خعفرع صاحب الهرم الثاني بهضبة الاهرامات و رمسيس الثاني و غيرهم.حيث يتم فى هذه المناظر اظهار توحيد القطرين المصريين عن طريق عمل رابط بعقدة وثيقة بين وردتى اللوتس و البردى الرمزين و هما يشيرا إلى القطرين المصريين الجنوبى و الشمالى و بالتالى يكون الحاكم صاحب هذا الكرسي(عرش مصر) المنحوت عليه المنظر هو المسؤول عن هذا الإنجاز العظيم ألا و هو توحيد القطرين.
اذن استقرار مصر و توحيدها هو مسؤولية الحاكم و كون هذا المنظر منحوت بوضوح على مقعد الملكة “نفرت ايتي” هنا في هذه اللوحة الحجرية البديعة فهذا يؤكد لي انه دليل يظهر قوة الملكة و وضعها الملكة في القصر و وضعها كمسؤولة في مصر و خصوصا ان منظر ال “سما تاوي” غير متواجد على مقعد “أخناتون” ولا حتى أي منظر او نحت او نص او شمل موجود بالمقعد خالي تماما من المناظر او النقوش.و من المؤكد أن هذه اللوحة مكتملة لانها مكتملة العناصر و المناظر والنصوص و النقوش.إذن كان إظهار المقعد الملكة لأخناتون خالى من النقوش و اظهار “سما تاوي” عند “نفرت ايتي” كان مقصودا.بنسبة كبيرة أستطيع أن أقول أن الملكة ” نفرت ايتي ” إما تكون قد حكمت أو شاركت في الحكم او كان لها نشاطات سياسية و عسكرية.
هل كانت رائعة الجمال كما تظهر في رأس و رقبة و أعلى صدر تمثالها الحجري الموجود الأن في متحف برلين ؟
لا أحد يستطيع أن يقرر الشكل الدقيق ولا الملامح الوجهية او الجسمانية للملكة “نفرت ايتي” .و هذا لأن من الصعب جدا ان نحدد اى شكل فى تماثيلها و مناظرها المنحوتة المختلفة هي التي تقول كل الحقيقة.
———
بسام رضوان الشماع
المؤرخ و عضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية و عضو اتحاد الكتاب المصري و المرشد السياحي